نصُّ المجموع الذي وجه به سيدي أحمد الهادي حفظه الله تعالى هذا اليوم ، للسيد المحترم مفتي ولاية صباح والذي سماه هدية الفتَّاح إلى مفتي ولاية صباح أو الفوز والفلاح في توضيح ما أشكل على أهل صباح
👇
الحمد لله الذي صلى على نبيه أبدا وصلى الله وسلم على الممدوح أزلا وعلى آله وصحبه ومن إتبع ، وبعد فهذه رسالة لطيفة في التعريف بالياقوتة الفريدة ألفتها بطلب من السيد الجليل والإمام الكبير لمسلمي ولاية صباح الماليزية – حفظها الله من كل بلية - الأستاذ الفاضل مفتي البلاد والعباد داتؤ عزيز بن حاجي جعفر الشافعي الناهج مسلك الأوائل من حيث متانة وصحة المذهب والعقيدة ، وحسن الإعتقاد والتعلق بأولياء الله وطرقهم المسلوكة السليمة ، في هذا الوقت الذي عمت فيه البلوى وترأس فيه أهل البدع والأهوئة ، وجعلت هذا المجموع على عدة مباحث مختصرة للحق موصلة يفقهُها ويستطِيبها من صحت نسبته لمذهب السنة والجماعة
✳️ المبحث الأول في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على العموم فأقول وبالله التوفيق وهو الهادي بمنه إلى سواء السبيل أنه من المعلوم بالضرورة أن من خير أعمال البر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الله سبحانه وتعالى إصطفى لنفسه من جميع الأذكار الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك فضلاً وشرفًا ، قال سبحانه في محكم تنزيله " إن الله وملائكته يصلون على النبي ... " فهو سبحانه صلى ولم يزل مُصليا على نبيه في حضرة قدسِه دائمًا أبدًا
ومن جهة أخرى فإنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة قطعًا كما نصَّ وأجمع على ذلك أهل الفهم والعلم ، فصارت من حيث هذه الحيثية أفضل الطاعات ، فمن فاته كثير من عمره بتقدُّم غفلة أو إدبارٍ ومعصيةٍ فلْيجبُر ما فاته بالإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الشيخ الإمام لسان حضرة الأولياء إبن عطاء الله السكندري صاحب كتاب الحكم العطائية كما في كتابه تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس " من قارب فراغ عمره و يريد أن يستدرك ما فاته فليذكر بالأذكار الجامعة فإنه إذا فعل ذلك صار العمر القصير طويلا ، وكذلك من فاته كثرة الصيام و القيام أن يشغل نفسه بالصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فإنك لو فعلت فى جميع عمرك كل طاعة ثم صلى اللّه عليك صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة على كل ما عملته فى عمرك كله من جميع الطاعات لأنك تصلى على قدر وِسعك و هو يصلى على حسب ربوبيته هذا إذا كانت صلاة واحدة فكيف إذا صلى عليك عشرا بكل صلاة كما جاء فى الحديث الصحيح "
وقد دلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سائِله أن يستغرق جميع وقته في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما هو في حديث كعب بن عجرة المشهور والمسمى ب " كم أجعل لك من صلاتي " فأجابه صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث لما قال له إذًا أجعل صلاتي لك كلها بقوله الشريف " إذا تُكفى همك ويُغفر ذنبك "
وقد بشر المولى سبحانه عباده المصلين على نبيه جزاءًا منه على صلاتهم بقوله سبحانه " هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور " فجعل بذلك سبحانه وتعالى صلاتنا على حبيبه صلى الله عليه وسلم سببًا لإخراجنا من الظلمات إلى النور : من ظلمة الوهم والظن إلى نور العلم واليقين ، من ظلمة البعد والحجاب إلى نور المشاهدة والعيان
✳️ المبحث الثاني في أنه لا تعارض بين الصلوات الواردة شريعة والصلوات الواردة طريقة فكلها صادرة من مِشكاة واحدة ، فما ألَّف السادة الأولياء صلواتهم إلا بتعليمٍ وإملاءٍ من سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظةً ومنامًا كما هو الخبر المشهور عن جميع ساداتنا الأولياء ، على أنَّ الصلوات الواردة شريعةً مُوَجهة لجميع المسلمين والتصديق والعمل بها واجب على الجميع والصلوات الواردة طريقةً موجهة لفئة محدودة من الناس والتصديق والعمل بها ليس بواجب إلا لمن نذر على نفسه ذلك ، وبُطلان قول القائل بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم توقيفية لا يجوز الزيادة فيها ثابت ظاهرٌ بعمل السلف وعمل طبقات أيمة الأمة طبقة بعد طبقة من زمن الصحابة الكرام إلى أيامنا هذه والذين ألفوا من الصلوات ما لا حصر لها ولا عدَّ
فإن الأمر الإلهي ورد على العموم " يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " وما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم عند قولهم قد علمنا السلام فكيف نصلي عليك - أي الصلاة الإبراهيمية - فخارجٌ مخرج التعليم لا الحصر ، ولذا تعددت صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى عند الصحابة الكرام رضي الله عنهم
والأدب شريعةً أن لا يُزاد شيء على اللفظ النبوي لكونه معصوما - أي اللفظ - بعصمة الوحي ، والأدب طريقةً أنْ لا يُزاد شيء على لفظ ساداتنا الأولياء لكونه محفوظًا بحفظ الولاية والإلهام الرباني الصحيح ، ولا يصح لمن لم يبلغ مداركهم أن يزن أقوالهم ، ولذا إتفق جميع أهل النسبة الصوفية على عدم الإعتراض على ما برز من سادتنا الأولياء مهما غمُض وأشكل ، فمن فقِه ما برز منهم قولاً أو فعلاً فليحمد الله على فضله ومن لا فليلزم الأدب وليُفوِّض علمه إلى أهله كما شرح وبين ذلك كثيرًا الإمام الشهير سيدي عبد الوهاب الشعراني في المواثيق والعهود المحمدية وفي غير ذلك من كتبه
وعلى هذا المسلك تتخرج مسألة خلوّ صلاة الفاتح من ذكر الصحب الكرام وخلوِّها أيضًا من السلام ، فإنه ما برز من حضرة الغيب عطاءًا ومنًّا من الله لأوليائه يُقبل كما هو من غير زيادة ولا نقصٍ كما هو مشهور عند القوم ، وخلوّ صلاة الفاتح من السلام سببها أنها صلاته سُبحانه وملائكته على نبيه وصلاته سُبحانه وتعالى خالية من السلام كما هو في الآية الشريفة ، وأما خُلوُّها من ذكر الصحب فلِكونها صلاةً عرفانية تُشير إلى أُبوة وأمومة النبي صلى الله عليه وسلم لجميع شجرة الوجود وهو المقصود من كلمة الآل في صلاة الفاتح وإدخال عبارة الصحب يُفسد هذا المعنى الشامل الواسع ، والحمد لله فإن الصحابة الكرام وغيرهم من جميع خلق الله داخلون في لفظ الآل
✳️ المبحث الثالث في ذكر مصدر هذه الصلاة الجليلة وشيءٍ من تواريخها ، فأقول وعلى الله التكلان أن ألفاظ هذه الصلاة الشريفة وردت في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية منها قوله تعالى " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " وقوله تعالى " وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا " وقوله تعالى " وَبِالحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ " وكقوله تعالى " وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ " ومن قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المشهور " أنا الفاتح ، أنا الخاتم "
* وقد ورد في كثير من كتب السنة صيغة مروية عن سيدنا علي بن طالب قريبة منها ، إذْ كان رضي الله عنه يعلم ويأمر الناس بهذا الدعاء " اللهم داحي المدحوات ، وبارئ المسموكات ، وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها ، إجعل شرائف صلواتك ، ونوامي بركاتك ، وفضائل آلائك على محمد عبدك ورسولك ، الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ، والمعلن الحق بالحق ، والدامغ لجيشات الأباطيل ... " وفيه - أي دعاء سيدنا علي - الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق وهذه الألفاظ هي العمدة في صلاة الفاتح زيادة على قوله الحق بالحق
* وذكرها بنصها مفتي السادة الشافعية في الحرم المكي السيد أحمد زيني دحلان الحسني القادري نسبًا رضي الله عنه ، شيخ مشائخ وعلماء مكة المكرمة ومُجيز كثير من علماء جاوة وملايو في مجموعته وقال أنها منسوبة لجده القطب الكامل الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ، ثم قال في حقِّها " وهي مما هو نافعٌ للمبتدىء والمنتهى والمتوسط ، فقد ذكر كثير من العارفين أنَّ لها من الأسرار والعجائب ما تتحير فيه الألباب وأن من واظب عليها كل يوم مائة مرة إنكشف له كثير من الحجب وحصل له من الأنوار وقضاء الأوطار ما لا يعلم قدره إلا الله "
* غير أنها إشتهرت وظهرت وصارت تاجًا يعلو جميع صيغ الصلوات الأخرى بعد تلقيها من طرف القطب الجليل سيدي محمد بن أبي الحسن البكري الصديقي المشهور ، شيخ مشايخ الأزهر وعموم البلاد المصرية صاحب الصلوات الكثيرة والشهيرة والذي يُسمى عند علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالجُنيد الثاني ، فقد ذكر الإمام النبهاني في كتابه جامع كرامات الأولياء وكذلك في كتابه أفضل الصلوات على سيد السادات أن القطب البكري توجه مدة ستين ( أو سبعين سنة ) يسأل الله تعالى أن يتفضل عليه بصلاة فيها سر جميع الصلوات ما سلف منها وما سيأتي ، فنزلت عليه هذه الصلاة في صحيفة من نور وقال في فضلها العام " أن من قرأها مرة واحدة في عمره ودخل النار ، يقبضني بين يدي الله تعالى ” وهذا الفضل يرويه شيخ بلاد الملايو الشيخ داود الفطاني وكذلك شيخ البلاد الكلمنتانية البرنيووية الشيخ الإمام أحمد أرشاد البنجري بسنده عن شيخه سيدي محمد بن عبد الكريم السمان البكريِّ عن القطب سيدي محمد مصطفى البكري عن سلسلة السادة البكرية رضي الله عن الجميع ، وقد ذكروا ذلك في مواضع كثيرة من كتبهم
ثم إشتهرت بعد ذلك وشاعت بين جميع أهل النسبة فمنهم من سماها الصلاة البكرية ومنهم من سماها صلاة الفاتح ومنهم من سماها الياقوتة الفريدة ومنهم من سماها أم الصلوات ومنهم من سماها سيدة الصلوات وغير ذلك من الأسماء الكثيرة والتي تدل على شرف المسمَّى
* قال إمام المالكية في البلاد المصرية وشيخ السادة الخلوتية العارف الكبير صاحب التآليف الشهيرة سيدي أحمد الصاوي المالكي الأزهري في شرحه على وِرد الشيخ الدردير بسنده عن القطب البكري أنَّ " من قرأ هذه الصلاة مرة واحدة في عمره ودخل النار يقبضني بين يدي الله تعالى "
ثم تبناها الشيخ القطب خاتم الأولياء سيدي أحمد بن محمد التجاني الحسني رضي الله عنه بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وجعلها شعارًا له ولأهل طريقته وجعلها من لازم أوراد طريقته الشريفة ، وجميع أحوال الطريقة التجانية ذكرًا وذوقًا دائرة حول معاني وأسرار هذه الصلاة الجليلة
✳️ المبحث الرابع في ذكر شيء من أخبار صاحب صلاة الفاتح القطب العارف شمس الدين والدنيا سيدي محمد البكري الصديقي نسبًا المصري مولدًا ودارًا ووفاةً : هو الإمام الكامل سيدي محمد بن القطب العارف الإمام أبي الحسن البكري ينتهي نسبه إلى سيدنا عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
* قال إبن العماد الحنبلي في كتابه المشهور والمسمى شذرات الذهب في أخبار من ذهب " وكان - أي القطب البكري - من آيات الله في الدرس والإملاء ، يتكلم بما يحيّر العقول ويذهل الأفكار ، بحيث لا يرتاب سامعه في أن ما يتكلم به ليس من جنس ما ينال بالكسب ، وربما كان يتكلّم بكلام لا يفهمه أحد من أهل مجلسه ، مع كون كثير منهم أو أكثرهم على الغاية من التمكن في سائر مراتب العلوم ، وكان إليه النهاية في العلم ، حتّى كان بعض الأجلاء ممن يحضر دروسه يقول: " لولا أن باب النّبوة سدّ لاستدلّينا بما نسمعه منه على نبوته " وأما مجالسه في التفسير وما يقرّره فيها من المعاني الدقيقة والأبحاث الغامضة ، مع إستيعاب أقوال الأئمة ، وذكر المناسبات بين السّور والآيات ، وبين أسماء الذّات المقدس والصّفات ، وما قاله أئمة الطريق في كل آية من علوم الإشارة ، فمما يحيّر العقول ويدهش الخواطر ، وجميع ما يلقيه بألفاظ مُسَجَّعَةٍ مُعَرَّبَةٍ موضوع كل لفظ في محلّه الذي لا أولى به ، ولم يحفظ أحد له هفوة في لفظ من ألفاظه من جهة إعراب أو تصريف أو تقديم أو تأخير أو غير ذلك من هفوات الألسن ، وما من درس من دروسه إلّا وهو مفتتح بخطبة مشتملة على الإشارة إلى كل ما إشتمل عليه ذلك الدرس على طريق براعة الاستهلال ، وهكذا كانت مجالسه في الفقه والحديث ، وكل علم يتصدى لتقريره "
قلت ، وكفى بشهادة هذا الإمام الحنبلي فضلاً وفخرًا إذْ أنَّ علماء الحنابلة قلَّما يُسلمون لوليٍّ من الأولياء إلا إن كان أظهر من الشمس ولايةً وعلمًا
* قال الإمام المناوي رضي الله عنه في كتابه الطبقات الكبرى " هو سيدي محمد البكري الصديقي ، شيخ الإسلام ، عالم الحرمين ومصر والشام ، وهو صاحب الحزب البكري المعروف ، وكذلك صلاة القطب البكري المشهورة - يعني صلاة الفاتح - ورُزق من القبول والحظ التام عند الخاص والعام ما لا تضبطه الأقلام "
- وقال أيضا " هو الشيخ الكامل الراسخ في العلوم اللدنية والمنح المحمدية ، الكامل إبن الكامل سيدي محمد البكري - رضي الله عنه - وشهرته تغني عن تعريفه ، وماذا يقول القائل في حق من أفرغ الله تعالى عليه العلوم والمعارف والأسرار إفراغاً ، لم يصح لأحد من أهل عصره فيما نعلم كما صح له ، فإن الناس أجمعوا على أنه ليس على وجه الأرض بلدة أكثر علماء من مصر ، ولم يكن في مصر أحد مثله ، وأجمع أهل الأمصار على جلالته ... "
- وقال أيضًا " فالناس أجمعوا على أنه ليس على وجه الأرض أكثر علماً منه ، ولا في غير مصر مثله ، فلا ينكر فضله إلا من عمه المقت والحسد ، وقد أعطاه الله تعالى التكلم على أحوال السموات والأرض نقلاً وكشفاً ويقيناً ، لا ظناً وتخميناً ، وهو جدير بقول بعضهم * وليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد * وإجتمعت به مرات فما رأيت أوسع منه خلقاً ، ولا أكرم نفساً ، ولا أجمل معاشرة ، ولا أحلى منطقاً "
* قال مؤرخ حضرموت وعالمها ووليُّها الشيخ الحبيب عبد القادر العيدروس في كتابه المشهور النور السافر عن أخبار القرن العاشر " الأستاذ الأعظم ، قطب العارفين ، الشيخ محمد إبن الشيخ أبي الحسن ... البكري الصديقي الشافعي الأشعري المصري ، كان هذا الشيخ من آيات الله في الدرس والإملاء ، فكان إذا تكلم فيه تكلم بما يحير العقول ويذهل الأفكار .... وكان الشعراء من فضلاء مصر المتمكنين في علوم اللغة وقواعد الشعر ومذاهب الإنشاء يقصدون يوم ختمه ، فيكتبون القصائد البديعة في مدحه "
* قال خاتمة المحققين الشيخ الإمام يوسف النبهاني الشافعي الشامي في كتابه أفضل الصلوات على سيد السادات " وقد ترجمه رضي الله عنه كثير من العلماء الأعلام في كتبهم بأبلغ التراجم وأكمل الأوصاف كالشهاب الخفاجي في ريحانته ، والعلامة المناوي في طبقاته "
- وقال عنه في كتابه شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق أنه " من أكابر العارفين ومشاهير الأئمة الأعلام المتفق على جلالتهم عند جميع أهل الإسلام ... "
✳️ المبحث الخامس في ذكر شيء من تواريخ هذه الصلاة في بلاد ماليزيا خاصة وتوسانترا عموما وسند علماء وكبراء نوسنترا ، قلت والله المُلهم للصواب يروي هذه الصلاة بالإسناد العالي من لا حصر لهم من علماء نوسانترا ممن تربوا في الزاوية السمانية الخلوتية في المدينة المنورة وعُدتهم كما هو مُثبت في مخطوطات الزاوية المذكورة ستمائة من فحول العلماء والأولياء النوسنتاريين أقتصر على ذكر المشاهير منهم والكُبراء
* أولهم شمس بلاد الملايو الشيخ الإمام المُعمر ولي الله قطعًا شيخ مشائخ مملكة قدح ، الإمام الكامل الشيخ الشهيد عبد الصمد الفلمباني السومطري نشأةً الحجازي علمًا وتربية القدحي شهادةً ومدفنًا ، صاحب الأسانيد والمروِيَّات العالية المشهورة في جميع بلاد الإسلام فلا يخلو سند من أسانيد المحدثين إلا وهو مذكور فيه ، هو وإبنته الشيخة الشهيرة السيدة فاطمة بنت عبد الصمد
* ثانيهم إمام الوجود وبحر الشهود فخر البلاد الملاوية الشيخ داود الفطاني أصلا الحجازي الطائفي مدفنا ضجيعًا لحبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، صاحب التآليف الشهيرة والعلوم الوفيرة والمشهور بكتاب منية المصلي
* ثالثهم فاتح البلاد الكلمنتانية البُرنُيُوويَّة وقطب الطريقة السمانية الشيخ الإمام العلامة أحمد أرشاد البنجري
فهؤلاء الثلاثة - رضي الله عنهم ونفع بهم - حملوا صلاة الفاتح غضة طرية حديثة عهدٍ بربها ومنهم شاعت وذاعت في جميع أقاليم نوسنترا من سلاويسي إلى بلاد تشامبا إسنادًا للأعيان وتلقينًا للعوام ، حيث أنهم رضي الله عنهم تلقوها بوسائط عالية عن علماء مصر والحجاز ، من ذلك سندهم إلى الشيخ الإمام المربي الكبير سيدي محمد بن عبد الكريم السمان بسنده الواصل إلى السادة البكرية
✳️ المبحث السادس في صيرورتها شعارًا لأهل الطريق التجانية فأقول وهو سبحانه وحده المعين تلقاها شيخنا سيدي أحمد بن محمد التجاني مُباشرة عن كثير ممن أسندوا فيها مغربًا ومشرقًا بسندهم الواصل إلى القطب البكري منهم على سبيل الذكر سيدي محمود الكردي قطب الديار المصرية وخليفة شيخ الأزهر الإمام سيدي محمد بن سالم الحفناوي وتلقى الإذن فيها كذلك عن مُجيز علماء الملايو أي القطب السمان عند ملاقاته له في المدينة المنورة ومكوثه في زاويته مدة من الزمن ، ومن ثم وبعد الإذن في إظهار طريقته المخصوصة به أَسندَ زيادةً على الإسناد المذكور عن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم مباشرة ومن غير واسطة
ومُنكر التلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم سقط الحديث معه لكونه سلك مسلك المبتدعة في إنكار ذلك وخالف إجماع أهل الحل والحق في تجويز ذلك ، ويكفي لقطع الكلام مع المنكر حديث الإسراء وتأثير سيدنا موسى وهو ميت في دين هذه الأمة حيث أنه كان السبب في رد المصطفى صلى الله عليه وسلم لمراجعة الحق سبحانه مرات عديدة حتى صارت الصلاة المفروضة خمسًا بعد خمسين والحديث مشهور لا داعي لبسطه ، والأخذ برزخيا وروحيا عن نبي أو ولي مبحث مشهور معلوم تناوله أعيان علماء المذهب تأصيلاً وتدليلاً منهم إمامنا الغزالي والإمام الجليل السيوطي والشعراني والنبهاني ومثلهم كثير لا حصر لهم ولا عدَّ
فلا مانع من وقوع ذلك لكونه داخلا في الجائزات عقلاً وشرعًا فلا العقل ولا الشرع يمنع ذلك ، وقد وقد ورد مثل ذلك كثير كتابًا وسنة ، وتعلُّل البعض بكون ذلك موجبًا لبقاء الصحبة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم الظاهرة في غير محله لكون الأمر العام أي الشرائع والأحكام والصحبة المباشرة قد طُوِيَ بساطهما بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبقي الأمر النبوي الخاص الذي لا يحدث حكمًا موجها للخاص بالطريق المعلومة عند أهلها وبقيت بذلك الصحبة البرزخية الروحانية للمصطفى صلى الله عليه وسلم ماضية حتى تقوم الساعة
فمن إدعى تلقي أمرٍ عامٍّ موجب لحكم وشرع جديد فهو عين الكفر ومناقض لتمام تبليغ الأنبياء ، وأما ما نحن بصدده فليس من هذا القبيل وإنما هو تلقي أمر خاص مخصوص بقوم مخصوصين مداره فهم جديد في أحكام الشريعة أو الطريقة ، يُشير إلى مثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا " وكذلك الحديث المشهور " إن يكن في أمتي محدَّثون فعمر منهم " أو كما قال صلى الله عليه وسلم
وهذا النوع من التلقي النبوي باقٍ في الأمة حتى تقوم الساعة وحتى يُختم على ختم الولاية العامة سيدنا عيسى عليه السلام النازل بشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا بشريعته التي نُسخت
✳️ المبحث السابع في ذكر شيء قليلٍ من أسانيد هذا العبيد الضعيف أحمد الهادي - عفا الله عنه - المتصلة والمُوصلة إلى القطب المكتوم والختم المحمدي المعلوم سيدنا ومولانا أحمد بن محمد التجاني الحسني ، فأقول وبالله التوفيق : تلقيت الياقوتة الفريدة عن كثير من أهل الإسناد ومشائخ التربية والإرشاد في البلاد المغربية وفي غيرها من البلاد أذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر
* المسند الجليل السيد الأحسن الإفراني الحسني المغربي شيخ الزاوية التجانية في القنيطرة قريبًا من الرباط بسنده العالي المُتصل ، عن شيخه القطب الكبير سيدي محمد الحبيب البعقيلي الحسني المغربي ، عن علامة المغرب وشيخ شيوخه وإمام أوليائه سيدي الأحسن البعقيلي الحسني رضي الله عنه ، عن شيخه القطب المغربي الشهير رئيس علماء وقته الشيخ سيدي الحاج الحسين الإفراني الحسني الإدريسي ، عن شيخه الإمام الكبير وزير الدولة العلوية الأكبر ومؤرخها سيدي محمد بن أحمد الكنسوسي الجعفري الهاشمي ، عن شيخه الخليفة الأشهر أحد خاصة خلفاء شيخنا التجاني سيدي محمد الغالي الحسني الفاسي دفين روضة أمنا خديجة الكبرى في مقبرة مكة المكرمة ، عن القطب المكتوم والختم المحمدي المعلوم سيدنا ومولانا أحمد بن محمد التجاني الحسني ، وهو رضي الله عنه بأسانيده المعلومة والمشهورة والمتصلة بالسادة البكرية من جهة وسيد الوجود صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى
* وكذلك أُسند عن الشريف الجليل سيدي محمد البشير التجاني الحسني الشنقيطي ، عن الإمامين الشهيرين سيدي الحاج محمد القماري المشيشي الإدريسي الحسني نزيل تونس وسيدي الحاج محمد الحسن الجكاني العثماني الأموي المغربي ( وهذا السيد هو الذي الذي لقَّن السيد محمد علوي المالكي الطريقة التجانية مُدرجًا فيها الإذن في صلاة الفاتح ) كِليهما ، عن القطب البعقيلي المذكور أعلاه بالسند المسرُود قبل هذا
* وكذلك أرويها بسندي المتصل عن السيد نورو تال الفوتي الحسني السنغالي ، عن الشيخ منتقى نورو تال الفوتي الحسني السنغالي ، عن القطب المعمر كبير أولياء البلاد الإفريقية الحاج سعيد نورو تال الحسني السنغالي ، عن إمام بلاد السودان الغربي وكبير أوليائه سيدي الحاج مالك سي الحسني التجاني ، عن الإمام العلامة ألفا مايرو ولي القرشي السنغالي ، عن السلطان الأعظم عالم السلاطين وسلطان العلماء سيدي الحاج عمر الفوتي الحسني الشاذلي نسبًا التجاني طريقةً مؤسس الإمبراطورية الإسلامية التجانية أسفل الصحراء الشنقيطية في جميع بلاد السودان الغربي ، عن سيدي محمد الغالي الحسني الفاسي عن القطب المكتوم والختم المحمدي المعلوم سيدنا ومولانا أحمد بن محمد التجاني الحسني
* وكذلك أرويها بسند شنقيطيٍّ عن سيدي محمد الطاهر التجاني الحسني ، عن قطب الإنس والجان سيدي محمد مختار العلوي الشنقيطي ، عن مُجيزه الإمام العلامة سيدي محمد الخليفة العلوي الشنقيطي ، عن أبيه الإمام الكامل الشيخ أحمدو العلوي الشنقيطي ، عن الإمام العلامة الشيخ سيدي محمدي بن سيدي عبد الله العلوي الشنقيطي ، عن الخليفة الأجلِّ سيدي محمد الحافظ العلوي الشنقيطي ، عن القطب المكتوم سيدي أحمد بن محمد التجاني
* وكذلك أرويها عن الشيخ المعمر الذي تُوفي عن أكثر من مائة وأربعين سنة مولاي التهامي الوزاني الحسني المغربي ، عن الشيخ الإمام المُسند إدريس العراقي الحُسيني الفاسي ، عن القاضي الأعظم الشيخ أحمد سكيرج الأنصاري الخزرجي الفاسي ، عن الإمام العارف سيدي أحمد العبدلاوي الحسني الجزائري ، عن الخليفة المعظم سيدي علي التماسيني الحسني الينبعي الجزائري ، عن القطب المكتوم سيدي أحمد بن محمد التجاني الحسني إلى آخر السلسلة الشريفة
هذا وقد تمت وبالخير عمت ، وقد أُختتمت بأسماء هؤلاء السادات الأعلام من بهم تُقضى الحوائج وتُجلى الكربات ، أدخلنا الله وجميع أحبابنا في حزبهم وحشرنا في زُمرتهم ، هذا والله الموفق للصواب وإليه سُبحانه وتعالى المرجع والمآب
كتبه أبو العباس ، أحمد الهادي الحسني التجاني عفا الله عنه وقت قفوله من ولاية صباح برنيو نوسانترا ، بتاريخ 11 محرم بعد عاشوراء مباشرةً وبُيِّضت يوم الثلاثاء 17 محرم 1446 في إمارة قدح دار الامان
Tiada ulasan:
Catat Ulasan