قال ابن المبارك - رحمه الله -: "رُبَّ عملٍ صغيرٍ تُعظمَّه النية، ورُبَّ عملٍ كبيرٍ تُصغرَّهُ النية"، فليس العبرةُ بكثرةِ وعظمِ الأعمال والأقوال، ولكن العبرة ما زكى منها لله وحده لا لسواه.
إن الواجب على كل مسلمٍ وخاصةً أنت - يا من حملت لواء الدعوة في سبيل الله - أن يقف قبل كل عمل - صغيرٍ أو كبير، كان كلمةً أو موعظة، مقالاً أم تعقيباً، تضحيةً بوقت أو بمال- أن يقف وقفةَ من ترتعدُ فرائصه من قول خالقه ومالك أمره: (وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً).
أن يقف وقفةَ من يخافُ من قوله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - عز وجل -: ((من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء هو للذي أشرك)).
أن يقف وقفةَ من يحذر أن يكون ممن وصفهم الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: "والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت والتخشع في نفسه ولباسه، والقلوبُ تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك، ورأيتُ من يلبسُ فاخر الثياب، وليس له كثير نفل، ولا تخشع، والقلوبُ تتهافتُ على محبته، فتدبرتُ السبب فوجدته السريرة! فمن أصلح سريرته فاح عبيرُ فضله، وعبقت القلوب بنشرِ طيبه، فالله الله في السرائر، فإنه ما ينفعُ مع فسادها صلاحٌ ظاهر".
فالسر ليس بالمظاهر الكاذبة، ولا بالمشاهد الخادعة، وإنما بصلاح بواطن الأنفس الأمارة بالسوء من التناقض، ومخالفة القول العمل، وسلامة القلوب من جحيم قسوتها وسُقمها وموتها.
لقي رجلٌ يحيى بن أكثم وهو يومئذٍ على القضاء، فقال: أصلح الله القاضي، كم آكل؟
قال: فوق الجوع ودون الشبع.
فقال: فكم أضحك؟ قال: حتى يُسفر وجهك، ولا يعلو صوتك.
فقال: فكم أبكي؟ قال : لاتملّ من البكاء من خشية الله - تعالى-.
فقال: كم أخفي من عملي؟ قال: ما استطعت.
فقال: فكم أظهر منه؟ قال: مقدارُ ما يقتدي بك البرّ والخيّر، ويُؤمن عليك قول الناس.
فقال الرجل: سبحان الله، قولٌ قاطن، وعملٌ ظاعن.
وإن أعظم ثمرات إخلاصك أخي الحبيب - كما قال أحد الدعاة - ما تجدهُ في تحصيلُ مرضاة الله (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) أي الذي يرجو لقاء الله على خيرٍ ونعمة فعليه بالإخلاص، وحين يرضى عنك الله تجني ثمرات ذلك: الإمداد الرباني، والنجاةُ من المحنِ والشدائد، والثبات والطمأنية وسكينةُ النفس، وجمع القلوب على المُخلص.
واعلم أخي أنه إذا حليّتَ عملك بالإخلاص، وزينته بالمراقبة، وألبسته بالخوف من عدم القبول، هان والله عليك كل ما تجده من متاعب ومشاقَّ وعقباتٍ في مسار دعوتك.
وليكن قدوتك في دعوتك سيد الدعاة ومعلمهم - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: ((طوبى للمخلصين الذين إذا حضروا لم يُعرفوا، وإذا غابوا لم يُفتقدوا، أولئك مصابيحُ الهدى، تنجلي عنهم كلُّ فتنةٍ ظلماء)) اللهم إنا نسألك الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا وحركاتنا وسكناتنا إنك نعم المولى ونعم النصير.