*حياة سيدي أحمد التجاني
- ختم الولاية المحمدية - رضي الله*
لمّا كانت معرفة الشيخ في طريق الإرادة من الأمر المهم و الأكيد لما ينشأ عنها من المحبة و التآلف ، نورد هذه النبذة البسيطة و المتواضعة ، في التعريف به و بحياته رضي الله عنه
فهو رضي الله عنه من العلماء العاملين و الأئمة المجتهدين ، القطب المكتوم و الختم المحمدي المعلوم ، قدوة الأنام و حُجة الإسلام ، الوارث الجامع و المربي النافع ،العارف الكامل الواصل العالم بالله ، الناصر لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ذو الآيات الظاهرة و الكرامات الباهرة سيدنا أبو العباس أحمد بن محمد التجاني رضي الله عنه
من الإرهاصات التي سبقت قدوم سيدنا أحمد التجاني قدس الله سره أن الولي الشهير العارف بالله سيدي المختار الكنتي رضي الله عنه كان قد أخبر أن القرن الثاني عشر من الهجرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة و السلام يشاكل قرنه صلى الله عليه و سلم إذ أن فيه خاتم الأولياء كما في قرنه صلى الله عليه و سلم خاتم الأنبياء
ولادته و نسبه رضي الله عنه
ولد رضي الله عنه سنة 1150 هجري الموافق 1737 ميلادي بقرية عين ماضي على تخوم الصحراء الجزائرية وهي بلده و مقر أسلافه
كانت هذه البلدة على قدر كبير من الأهمية العلمية و الدينية باعتبارها مركزا للصلاح و الولاية و معروفة بعلمائها الراسخين في العلم الظاهر و الباطن من أسلاف سيدنا رضي الله عنه
أما نسبه رضي الله عنه فهو شريف محقق ، أبو العباس سيدي أحمد بن الولي الشهير والعالم الكبير القدوة سيدي محمد بن المختار بن أحمد بن محمد بن سالم بن أبي العيد بن سالم بن أحمد الملقب"بالعلواني" بن أحمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد الجبار بن إدريس بن إدريس بن اسحق بن علي زين العابدين بن أحمد بن محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه، من سيدتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة رضي الله عنها بنت سيد الوجود وقبلة الشهود سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان أبوه رضي الله عنه وهو الشيخ العالم الورع الدال على الله بحاله و مقاله أبو عبد الله سيدي محمد ابن المختار كانت تأتيه الروحانية يطلبون منه قضاء حوائجه فكان يمتنع منهم و يقول :" أتركوني بيني وبين الله لا حاجة لي بالتعلق بسوى الله تعالى! " .
كان قائما بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم ، توفي رضي الله سنة 1166 للهجرة بالطاعون رحمة الله تعالى عليه.
و أمه رضي الله عنها هي السيدة الفاضلة الطيبة المطهرة ذات الأخلاق الكريمة و السيرة المستقيمة السيدة عائشة بنت الولي ذو البركة و الأنوار أبي عبد الله سيدي محمد ابن السنوسي، كانت معنية بأمر الدين لها حظ عظيم من البر و الإحسان شديدة الاعتناء بحقوق بعلها محافظة على الدين كثيرة الأذكار و الصلاة على النبي ، توفيت رضي الله عنها في يوم واحد مع زوجها بالطاعون و دفنا معا بعين ماضي.
و أما جده لأبيه فهو السيد الجليل ذو المروءة و الصيانة سيدي المختار بن أحمد ، كان رضي الله عنه خيّرا مرضيا فاضلا عالي الهمة شديد الحياء يصل الرحم و الأقارب رضي الله عنه و أرضاه و جعل الجنة مأواه.
و أما جده الثالث فهو السيد الأصيل النزيه العلامة صاحب الحال القوي و البصيرة الصحيحة و الهيبة و الوقار الزاهد الناصح أبو العباس سيدي أحمد بن محمد.
و رابع الأجداد لسيدنا رضي الله عنه ، وهو الذي وفد أولا لعين ماضي و توطن بها و تزوج منهم فكانوا أخوالا لسيدنا رضي الله عنه و لهذا ينتسبون للتجانية بالمصاهرة
وهو الولي المكين ذو الجذب الواضح و المحبة الصادقة و الخلق الكريم سيدي محمد بن سالم التجاني و حكي عنه رضي الله عنه أنه كان إذا خرج للمسجد يتبرقع و لا يرى أحد وجهه ، و قد سئل شيخنا أحمد التجاني رضي الله عنه عن سبب ستر وجهه عن الناس فأجاب رضي الله عنه بقوله :" لعله بلغ مرتبة في الولاية من بلغها يصير كل من رأى وجهه لا يقدر على مفارقته طرفة عين ، و من فارقه و تحجب عنه مات لحينه ،وهي مرتبة من أدرك اثنين و سبعين علما من العلوم المحمدية، و مكث فيها ثلاث و عشرين سنة. " . قيل للشيخ رضي الله عنه : "هذه لمفاتيح الكنوز أم لغيرهم؟ " فأجاب رضي الله عنه:" بل لغيرهم و أما القطب و مفاتيح الكنوز فلا يستترون لكمالهم."
و بالجملة فجميع أسلاف سيدنا رضي الله عنه علماء عبّاد أتقياء موصوفون بالإمامة و الولاية إلا أنهم كانوا لشدة إتباعهم للسنة يسترون ولايتهم بالعلم فلا يعرفهم إلا الخاصة ، و نسبهم الشريف إلى آل بيت الرسول صلى الله عليه و سلم مذكور في رسمهم عند أوائلهم و محوز لهم بالحوز التام ، و لكن سيدنا لم يلتفت لذلك لما هو عليه من الجد و الاجتهاد حتى خاطبه صلى الله عليه و سلم يقظة لا مناما بقوله: "أنت ولدي حقا ! " كررها ثلاثا تأكيدا ثم أردف صلى الله عليه و سلم : " نسبك إلى الحسن ابن علي صحيح ! ".
نشأته ووصفه رضي الله عنه
نشأ رضي الله عنه بين أبويه الصالحين يؤدبانه و يربيانه و يلقنانه ، فربي في عفاف و صيانة محروسا محفوظا بالعناية و الرعاية ،لا يتقيد بما عليه الناس من العوائد و الزوائد ، متحليا بالأخلاق الحميدة ، أبيّ النفس عالي الهمة ، فكان لا يريد أمرا إلا ابتدأه ، و لا يبتدئه إلا أتمه و إذا تعلقت همته بشيء من الأشياء كائنا ما كان لا يهنأ له عيش و لا يقر له قرار حتى يصله و يتجاوزه.
و قد ذكر في "جواهر المعاني" أنه لم يختلف جميع من أدركه في حال شبيبته من أئمة و علماء عصره أنه كان من المصطفين من عباد الله ، و ممن نشأ في عبادة الله ، و ممن أجتبي إلى صراط الله ، فاستوجب الوراثة و الإمامة ، فلم يتقدم في عصره أحد أمامه.
و صفته رضي الله عنه أبيض مشرب بحمرة ، معتدل القامة ، منور الشيبة، ذو صوت جهوري و سمت بهي ، حلو المنطق ، فصيح اللسان ، ذو مهابة و عظمة ، ووقار و حياء و جلال ، و له رضي الله عنه منذ شب عقل نام ، و ذكاء قوي و فهم نافذ و فطنة سرية ، لا يفوته إدراك معنى من المعاني
و بالجملة فكمال عقله رضي الله عنه و فهمه و قوة إدراكه مما يبهر
Tiada ulasan:
Catat Ulasan