بداية الطريق ونهايته في العمل بالكتاب والسنة
*************************************
- بقلم الشيخ سيدي محمد الحافظ المصري التيجاني -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم فمن آخذه أخذ بحظ وافر.
ولا مرية أن مما ورثوه عليهم الصلاة والسلام من العلم معرفة تجريد النفوس من غواشى الظلمة وتصفيتها من كدورات المادة والسير بها إلى العالم الروحاني والتجريد الملكوتى حتى تكون بحيث لا تؤثر فيها المادة ولا غيرها، بل ويتعدى صفاؤها إلى الكثيف فتلطفه. ويسري سرها إلى الجامد فتحييه، يمدها الحق بنوره فتنفذ بصيرتها فترى مؤيدة بالحق وتسمع وتسكن وتتحرك وتعلم وتأخذ وتترك اصطفاها الله فصفاها فاتخذت مع الرحمن ودا. هو الود الخاص والقرب الأسمى.
أولئك الورثة علماء النفوس, علمهم الله الداء والدواء، فهم أطباء القلوب وأساة الأرواح.
ومن منة الله على الأمة المحمدية أنهم رضي الله عنهم لا يخلوا الزمان منهم. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". وقد أمرنا بتزكية نفوسنا وترويضها وتهذيبها قال تعالى "ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها".
وحثنا صلى الله عليه وسلم على حسن الصحبة لمالها من الأثر الجميل في التزكية وحدثنا حديث التائب الذي قتل مائة نفس ثم استشار عالما فأشار عليه: أن أنطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء, فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب, ثم كانت نهايته إلى الرحمة. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك, وإما أن تبتاع منه, وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة" .
والصحبة مراتب، أعلاها صحبة الروح للروح وامتزاجهما في عالم القداسة والصفاء، اجتمعا على الله وتحابا بروح الله في طاعته وسبيله.
هذا روح السنن المحمدي، وهو الطريق إلى الله عز وجل الذي أجمع عليه أهل الله تبارك وتعالى العارفون, وهو طريق القوم رضي الله عنهم, يضمهم جميعها. فما خرج عنه منهم أحد وإن اختلف سيرهم, فمنهم المسرع ومنهم المتمهل, ومنهم من غلب عليه الجمال, ومنهم من غلب عليه الجلال, ومنهم الجامع، إلى غير ذلك مما يرجع كله إلى أصل واحد: هو طلب الله والفرار إليه عن كل ما سواه, وكمال العبودية له تبارك وتعالى, واستيفاء حقوق الربوبية".
وهذا مجمل كل طريق في السير إلى الله عز وجل, ومنها الطريقة التجانية. ومن لم يكن على هذا المنهج فنسبته إلى الطريق باطلة.
وعلي المرء أن لا يخدع نفسه، وأن لا يتركها في ظلمة المعصية والبعد عن الحق والانقطاع عما يتمتع به أهل الخصوصية، وليعالجها بصحبة الصادقين الصالحين. ولا ريب أن أولى الناس بالصحبة أولئك الأطباء الروحيون أهل الحق وخاصته الذين أعدهم لذلك النوع من العلم واختارهم له بمحض فضله.
ومن كان لا يعتقد في أولياء الله واختصاصه، سبحانه، لهم وما أكرمهم به من الخوارق علما وعملا في الحياة وفي الممات فعليه أن يرجع إلى الكتاب والسنة وما ذكره العلماء في ثبوت ذلك, وفي السنن الصحيحة منه شئ كثير.
والكلام هنا مع من عرفه الله ذلك الأمر ورغب في الانطلاق من سجن المادة لجلاء مرآة فؤاده وانفتاح عين الروح المطموسة منه. فحسبه أن يصدق في صحبة أي طبيب يختاره من هؤلاء الأطباء, فجميع طرق أهل الله موصلة إلى حضرته, ومثلهم في ذلك مثل أبواب كثيرة لبيت الله الحرام من دخل من أي باب فهو في حضرة الحق سبحانه. ولقد جربت صحبتهم, فكم من نفس فاجرة أصبحت باردة راشدة, وكم من عين مظلمة أمست وقد كحلت باثمد مواهبهم, نورا لا يعيش معه قتام، وكم وكم، مما شهد به الأعداء والأحباء. وقد ذكر أجلة أهل الفتح من هذا الطريق أن هذا المشرب يشمل أسمى المنازل في سائر المشارب ويندرج فيه كل طريق في التربية. ومن المعلوم لدي من له معرفة بطرق أهل الله أن منهم من يربي بالجلوة بلا خلوة, ومنهم من يربي بالخلوة, ومنهم من يربي بالذكر السري، ومنهم يربي بالذكر الجهري, ومن الناس من يصل بطريق الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك الترقية قد تكون بنظرة أو توجه أو صيغة أو أسم أو جذبة، إلى آخر ما هو معروف. وما من أصل إذن به شيخ أو سر إلا وهو في هذا الطريق على أتم الوجوه. ففيه اجتمعت مزايا كل طريق, وانفرد بما هو خاص بأهله "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم" .
Tiada ulasan:
Catat Ulasan