Selasa, 13 November 2018

التنبيه

مقتطف من تأليف سيدي أحمد الهادي حفظه الله تعالى المعنون ب " إرشاد الأصفياء إلى طريقة ختم الأولياء "

... تنبيه شريف في بيانِ الفرقِ بين الطّريقَتَيْنِ طريق الشُّكرِ والمحبّةِ وطريقِ العملِ والمُجاهدةِ سمَّيتُه " الفُرُوقُ الفَارِقَةُ بين طرِيقِ الشّكر وطريق المُجاهدة "

فأقُول وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطّريقِ إعلم أنَّ طريقةَ الشّكر والمحبّة هي الطّريقةُ الأصليّةُ التّي كان عليها الصَّدْرُ الأوّلُ مِنْ هذه الأمَّة المباركة وهي القُرون الثلاثة الأولى المَشْهُودِ لهُمْ بالخَيْرِيَّةِ لِقوله صلّى الله عليه وسلّم " خَيْرُ القُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلْوُونَهُمْ ثُمَّ الّذِينَ يَلْوُونَهُمْ " والرِّياضةُ فيها تعليقُ القلوبِ بالحقِّ سُبحانه وإلْزَامَهَا العُكُوفَ على بابِه عَبُودِيَّةً لِذَاتِهِ العليَّةِ مع البراءةِ مِنْ جميعِ الحُظُوظِ والإعْتِرَافِ بالعَجْزِ والتَّقصيرِ وعدمِ تَوْفِيَةِ الرُّبُوبِيَّةِ حَقَّهَا لذَا قال مُربِّي أرْواحِنا سيدي الحاج الأحسن البعْقيليُّ الحسنِيُّ رضي الله عنه ومتَّعَنا الله بِرِضاهُ أحدُ أئمّةِ هذه الطّريقة إن لم يَكن أَوْحَدَهُمْ

💐 " كَمَا  خَلَقَكَ  سُبحانه  وتعالى  مِنْ  غيرِ  غَرَضٍ  فَاعْبُدْهُ مِنْ  غير  غَرَضٍ " 💐

قال الشّيخ سيدي أحمد بن المبارك في كتابه المشهور " الإبريز " نَقْلًا عَنْ شيخه القطب سيدي عبد العزيز بن مسعود الدَبَّاغُ الحسنيُّ الفاسيُّ المغربيُّ رضي الله عنهما " إنَّ طريقة الشّكرِ هي الطّريقةُ الأصليّةُ وهي الّتي كانت عليها قلوبُ الأنبياء والأصفياء مِنَ الصّحابة وغيرهم وهي عبادته تعالى على إخلاصِ العُبوديّةِ والبَرَاءَةِ مِنْ جميع الحُظُوظِ مع الإعترافِ بالعجزِ والتَّقصيرِ وعدَمِ تَوْفِيَةِ الرُّبُوبِيَّةِ حقّهَا وسُكُونِ ذلك على مَمَرِّ السّاعاتِ والأزمان فلمَّا عَلِمَ مِنْهُمْ تبارك وتعالى الصِّدق أَثَابَهُمْ بِما يَقْتَضِيهِ كَرَمَهُ مِنَ الفتحِ فِي معرفتِهِ ونَيْلِ أسرارِ الإيمان بِه عزّوجلّ فلمَّا سَمِعَ أهلُ الرِّيَاضَةِ ما حصل لهؤلاءِ مِن الفتح في معرفتِهِ ونيلِ أسرار الإيمان به عزّوجلّ جعلوا ذلك هو مَطْلُوبَهُمْ ومَرْغُوبَهُمْ فجعلوا يطلبُونهُ بالصِّيام والقيام والسَّهر ودوامِ الخَلْوَةِ حتّى حَصَلُوا على ما حصلوا فالهِجرة في طريقة الشُّكر كانت مِنْ أوّل الأمر إلى الله ورسولهِ لا إلى الفتح ونيل الكُشُوفاتِ والهجرةُ في طريقة الرّياضة كانت للفتحِ ونيل المَرَاتِبِ والسَّيْرُ فِي الأولى سَيْرُ القلوب وفي الثّانية سير الأبدان والفتح في الأولى هُجُومِيٌّ لم يحصُل مِنَ العبدِ تَشَوُّفٌ إليه فبينما العبد في مقام طلبِ التّوبةِ والاستغفارِ مِنَ الذُّنوبِ إذْ جاءَهُ الفتحُ المُبِينُ " انتهى كلام القطب الدبّاغ
( قلت ) حاصِلُ القول أنّ النِيَّة في الأولى خالصَةٌ وفي الثّانيةِ مَشُوبَةٌ والسيّر في الأولى سَيْرُ القلوب بطريق الجذبِ الإلهيِّ الإصطفائيِّ " اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ  يَشَاءُ "  وفي الثّانية سير الأبدان بطريق السُّلوك " ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ " والفتحُ في الأولى هُجُومِيٌّ مِنْ غَيْرِ طلبٍ

     💐 " فَطَلَبُ الفتحِ فيهَا عَائِقٌ عَنِ الفتحِ " 💐

كما قال الشَّيخ البعقيليُّ رضي الله عنه وفي الثّانية نِيلَ بِحِيلَةٍ وسببٍ والفتح في الأولى ربّانيٌّ ويُسمّى الفتحُ الأكبرُ وثَمْرَتُهُ شُهود الذَّاتِ وعلامتُه كمالُ الإتِّباعِ ومُوَافَقَةُ الشّريعةِ وفي الثّانية نَفْسَانِيٌّ ويُسمَّى الفتحُ الأصغرُ ويُسمَّى أيضا الفتح الكَوْنِيُّ وفَتْحُ العَوَالِمِ وثمرتُه شُهود الأكْوَانِ وعلامته وُجودُ خَرْقِ العادةِ وكثرةُ الشَّطْحِ فالأوّلُ لا يَنَالُهُ إلاَّ أهْلُ الإصطفاءِ والإجتباءِ والثَّاني يُدْرِكُهُ كُلُّ مُرْتَاٍض ولوْ كان كافرًا كعُبَّادِ البراهمة وعُبّادِ البوذيَّة ...الخ وهو كثيرُ المَخاطِرِ والمِهالكِ لِجَوَازِ وُقوفِ السّالك مع الأكوان فَيَسْتَلِذّ التَصَرُّفَ في العوالِم والكشْف والكرامةَ فَيُسْتَدْرَجُ حتَّى يقعَ في الفتحِ الظُّلْمَانِيِّ لهذا اِصْطَلَحَ السّادةُ الأكابرُ على تسمِيَةِ ثمرةِ هذا الفتحِ " بِحَيْضِ الرِّجَالِ " فكانُوا يُنَفِّرُون المُريد مِنه أشدَّ التَّنْفِيرِ

والطُّرق إلى الله وإنْ تعدَّدَتْ فمَرجَعُها إلى ثلاث طُرقٍ

*  أحدها طريقةُ الإمام الغزاليِّ رضي الله تعالى عنه أيْ طريقة المُجاهدَةِ ومَبْنَاهَا مُكَابَدَةُ العِبادات وتَصْفِيَتِهَا مِنَ العِلَلِ والشَّوائِبِ والسَّيْرُ فيها بشُهودِ العملِ والإِعْتِمَادِ عليهِ وقدْ ألَّفَ في ذلك كتابَ الإحياءِ في أربعين بَابًا ثمّ كتاب الفُصول في أربعين فصلا ثمّ فُتِحَ عليه بطريقٍ أقربَ مِن ذلك في آخر عمرهِ وألَّف فيه " مِنْهَاجَ العابِدين " ورتَّبَهُ على سبْعِ عقباتٍ وجعلَ أخرهَا الحمدُ والشُّكر والحمد والشُّكر كما هو مَعْلومُ أوّلُ قَدَمٍ عند السَّادة الشَّاذليَّةِ وهو أي الشُّكر البابُ المُوصِلُ إلى محبَّةِ الحقّ تعالى بِتَذَكُّرِ النِّعَمِ الواردَةِ مِنه تعالى

*  ثانيِها طريقُ سيدي أبي الحسن الشّاذليِّ رضي الله عنه أي طريقةُ الشُّكر وبِدايتُها شُهودُ النِّعم الوارِدةِ مِن الحقّ عزّوجلّ والشّكرعليها وهي خُلاَصَة طريقة الغزاليّ فنِهَايَةُ سيْرِ الغزاليّة بداية سير الشّاذليّة ومبناها شُهودُ المِنَّةِ والفناءِ عَنِ العمل ونتيجتُها شُهود المُنعِمِ في نِعَمِهِ وبالتّالي محبَّةُ المُنْعِمِ ونِهايتُها شُهود أَحَدِيَّةِ النِّعَمِ وهي الحقيقة المُحمّديّة المعظَّمَةُ أمُّ النِّعَم كلِّها عليها مِنَ الله أكْملُ الصّلواتِ وأتَمُّ التَّسْلِيمَاتِ

*  ثالثها طريقة سيدي أحمد التّجانيِّ رضي الله عنه وأرضاه وعنّا به حيْثُ نظَرَ إلى كثرةِ النِّعم وتَشَعُّبِهَا وهْوَ مِمّا يَتَجَاذَبُ خاطِرَ المُريد فدَلَّهُ مِنْ أوّل قَدَمٍ على شُهودِ أحدِيَّةِ النِّعم الإلهيّة والإسْتِغْرَاقِ في أصْلِ النِّعم كُلّها فإنَّ النِّعمَ وإنْ تعدَّدَت مظاهِرُها فهْيَ واحدةٌ في ذاتِها لقولِه صلّى الله عليه وسلّم " إِنَّمَا اللهُ مُعْطٍ وَأَنَا القَاسِمُ " فهو صلّى الله عليه وسلّم الحِجَابُ الأعظمُ القائِم بين حضرةِ الحقِّ وحضرة الخلق فلا تَفيضُ نِعمةٌ مِنْ حضرة الله عزّوجلّ على خلقه حِسِّيَّةً أو مَعْنَوِيَّةً إلّا والحقيقة المحمّديّة نائبةٌ عنه سبحانه وتعالى في تَوْصِيلِ تلك القِسَمِ الإلهيّةِ إلى الخلق كافّةً لهذا ورَدَ ذِكْرُ النّعم في القرآن بصِيغة المُفردِ كمِثْلِ قوله عزّوجلّ " وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ " وقوله عزوجل " يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا " وقوله عزّوجلّ " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا " فالعدُّ يَقتَضِي الكثرةَ ولكنّهُ عزّوجلّ أوْرَدَ النّعمة مُفْرَدَةً لهذا قال بعض المفسِّرين وَوَافَقَهُمْ في ذلك أهلُ الاشارة أنَّ المقصُود هنا النّعمةُ المحمّديّةُ التِّي هي أمِّ النِّعَم كلّها ومَصْدَرُهَا وثمرةُ هذه الطّريقة إثْبَاتُ الواسطةِ العُظمي والبَرْزَخِيَّةِ المُحمَّديَّة الكبرى وانْكِشَافِ أسرار الحقيقة المحمّدية المُعظّمةِ الّتي هيَ لِلذَّاتِ العليّة كالمِرْآةِ والظِلِّ فهي ليْستْ هي وليست غيرها فالظلُّ مَعْدُومٌ موجُودٌ في آنٍ واحدِ فظِلُّكَ ليس أنتَ وليس غيرُك وصُورَتُكَ في المِرْآةِ ليست أنتَ وليست غيرَك وهي الشَّجرةُ المذكُورة في القرآن " شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ " ونِهايتُها الوُلُوجُ إلى الحقيقة الجامِعَةِ أمِّ الحقائق حضرةُ الحقيقة الأحمديّةِ والّتي هي حقيقةُ الحقيقةِ المحمّديّة وما الحقيقة المحمّديّة إلا ظلٌّ لها

وحاصلُ ما سَبَقَ أنّ سَيْرَ الغزاليّةِ في بُحور النَّفْسِ السَّبْعَةِ والتَرَقِّي في مَرَاتِبِهَا مِنَ الأمَّارَةِ إلى اللّوَّامةِ إلى المُلْهَمَةِ إلى المُطْمَئِنَّةِ إلى الرَّاضِيَةِ إلى المَرْضِيَّةِ إلى الكَامِلَةِ والشّاذليّة قَطْعُ مراتِب النَّفس بِجَذْبَةٍ وَاحِدَةٍ والتّجانيّة بطريقِ الفضل الإلَهِيِّ إبْتِدَاؤُهُمْ بالبحر الّذي يَلِي النّفس الكاملةَ وهو بحرُ الحقيقة المحمّديّة المُعَظَّمَةِ ونِهايتُه ولا نِهايَةَ لهُ الحيْرةُ والجهْلُ الأعظمُ الّذي لا انْقِضَاءَ له زمنَ الدّنيا والآخرة فنِهايةُ معارفِ الطّريقةِ الغزاليّةِ بِدايةُ معارف الطّريقةِ الشّاذليّةِ ونِهايةُ معارفِ الطّريقة الشّاذلية بدايةُ معارف الطّريقة التّجانيّة الشّريفة

فبان لك من هذا التنّبيه وجه تسميتها بالأحمديّةِ لكونها طريقة الحمد والشّكر والفضل الإلهيّ الذي لا يَتَوَقَّفُ على سبب ولا علّةٍ ...

Tiada ulasan:

Catat Ulasan