مَا هِيَ #الطَّرِيقَةُالتِّجَانِيَةُ؟
يَقُولُ العَلَّامَةُ سَيِّدِي أَحْمَدُ بْنُ العَيَّاشِي سُكَيْرِجٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "... طَرِيقَتُناَ التِّجَانِيَةُ ذِكْرٌ علَى الحَقِيقَة ، وَأَذْكَارُهَا لَازِمَةٌ مُنْذُ أَخْذِ عَهْدِ الطَّرِيقَةِ التِّجَانِيَةِ إِلَى الوَفَاة. وَلَها شُرُوطٌ مِنْ أَهَمِّهَا المُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاة فِي وَقْتِهاَ، وعَدَمُ زِيَارَةِ أحَدٍ مِنَ الأَوْلِيَاءِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا أَبَداً إِلَّا أَصْحَابُ سَيِّديِ أَحْمَدَ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَحَابَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَنْ تَقَيَّد بِعَهْدِ الطَّرِيقَةِ التِّجَانِيَةِ ثُمَّ أَخَذَ طَرِيقَةً أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ."
وَقَالَ كَذَلِكَ:
" .. إِنَّ طَرِيقَتَنَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسْلِيمِ المُطْلَقِ لِأَهْلِ اللَّهِ، مَعَ اعْتِقَادٍ جَمِيلٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، مَعَ تَرْكِ زِيَارَةِ الإِسْتِمْدَادِ مِنْهُمْ وَزِيَارَةِ التَّعَلُّقِ بِهِمْ، وَحُسْنِ الظَّنِّ فِي سَائِرِ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالنُّفُورِ مِنْ مُعَادِيهِمْ، وَتَرْكِ مُخَالَطَةِ مُؤْذِيهِمْ بِقَدْرِ الإِمْكَانِ، فَإِنَّ مُجَالَسَةَ المُبْغِضِينَ سُمٌّ يَسْرِي، وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ القِيَامِ بِالمَفْرُوضَاتِ أَتَمَّ قِيَامٍ وَبِالأَخَصِّ الصَّلَاةُ فَهِي عِنْدَنَا فِي الطَّرِيقَةِ الأَسَاسُ الَّذِي شُيِّدَتْ عَلَيْهِ، فَالمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا مِنْ آكِدِ الشُّرُوطِ عَلَى المُرِيدِ التِّجَانِي، مَعَ زِيَادَةِ اعْتِنَاءٍ بِهَا فِي أَدَائِهَا فِي وَقْتِهَا جَمَاعَةً، وَهَذَا الأَمْرُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ لِلْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا ، وَلَكِنْ لَابُدَّ مِنَ الحَضِّ عَلَيْهِ لِلْقِيَامِ بِهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، فَالمُرِيدُ التِّجَانِي مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا وَأَوْقَاتِهَا جَمْعًا وَانْفِرَادًا، وَلَا يُعَدُّ تِجَانِيًا إِلَّا مَنْ أَحْرَزَ عَلَى الإِذْنِ فِي تِلْكَ الأَذْكَارِ (أَيْ أَذْكَارِ الطَّرِيقَةِ التِّجَانِيَةِ) مِمَّنْ عِنْدَهُ التَّقْدِيمُ الصَّحِيحُ، وَالتَّلْقِينُ الصَّرِيحُ، كَمَا تَلَقَّيْنَا ذَلِكَ عَنْ شَيْخِنَا العَارِفِ بِاللَّهِ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ أَحْمَدَ العَبْدَلَّاوِي عَنِ القُطْبِ سَيِّدِي الحَاجِّ عَلِيٍّ التَّمَاسِينِي عَنْ سَيِّدِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،..."
قَالَ العَارِفُ بِاللَّهِ مَوْلَايَ أَحْمَدُ العَبْدَلَّاوِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
" طَرِيقَةُ شَيْخِنَا القُطْبِ التِّجَانِي، وَهُوَ الوِرْدُ المَعْلُومُ الشَّرِيفُ، الَّذِي هُوَ مِنْ تَرْتِيبِ سَيِّدِ الوُجُودِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِائَةً، وَصَلَاةُ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَهَذَا الوِرْدُ هُوَ لَازِمٌ لِلطَّرِيقَةِ المُحَمَّدِيَّةِ يَتْلُوهُ صَبَاحًا وَمَسَاءً.
وَالوَظِيفَةُ الشَّرِيفَةُ هِيَ #أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ ثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَصَلَاةُ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ خَمْسِينَ مَرَّةً، وَالهَيْلَلَةُ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَجَوْهَرَةُ الكَمَالِ اثْنَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَتَكْفِي فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إِمَّا فِي الصَّبَاحِ أَوْ فِي المَسَاءِ، وَإِنْ تَيَسَّرَ فِي الوَقْتَيْنِ فَحَسَنٌ، وَتُقْرَأُ مَعَ الجَمَاعَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ فِيهَا إِنْ كَانَ فِي البَلَدِ إِخْوَانٌ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ وَلَمْ يَجِدِ الجَمَاعَةَ قَرَأَهَا وَحْدَهُ.
وَمِنْ لَوَازِمِ الطَّرِيقَةِ ذِكْرُ الهَيْلَلَةِ بَعْدَ عَصْرِ يَوْمِ الجُمُعَةِ إِنْ وَجَدَ إِخْوَانًا، وَ إِلَّا ذَكَرَهَا وَحْدَهُ، وَيَجْعَلُ عَدَدًا مَلْزُومًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَشْرِ مِائَةٍ إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِائَةً، انْتَهَى"
إِذَنْ الطَّرِيقَةُ التِّجَانِيَةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ #أَذْكَارٍ (وِرْدٌ وَوَظِيفَةٌ وَهَيْلَلَةٌ (ذِكْرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) يَوْمَ الجُمُعَةِ). هَذِهِ الأَذْكَارُ يَأْخُذُهَا المُرِيدُ التِّجَانِي بِالإِذْنِ عَنْ مُقَدَّمٍ عَنْ مُقَدَّمٍ آخَرَ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى سَيِّدِنَا الشَّيْخِ سَيِّدِي أَحْمَدَ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي أَخَذَ طَرِيقَتَهُ بِدَوْرِهِ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَنْ رَتَّبَ لَهُ أَذْكَارَهَا، وَضَمِنَ لِأَهْلِهَا مَا ضَمِنَهُ مِنَ الوُصُولِ إِلَى حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ طَرِيقِهَا، وَكَمَا لَا يَخْفَى فَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ هِيَ أَقْرَبُ الطُّرُقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَمِنْ أَهَمِّ شُرُوطِ الطَّرِيقَةِ التِّجَانِيَةِ المُحَافَظَةُ عَلَى #الصَّلَوَاتِ فِي وَقْتِهَا، إِذْ أَنَّ الأَوْلَى القِيَامُ بِالمَفْرُوضَاتِ أَتَمَّ قِيَامٍ ، وَبِالأَخَصِّ الصَّلَاةُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُفْتَحُ بَابُ الاِجْتِهَادِ فِي النَّوَافِلِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ"
وَفِي رِوَايَةٍ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ، تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَائَاتَهُ.
وَقَدْ سُئِلَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ سَيِّدِي أَحْمَدُ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ كَمَا جَاءَ فِي الجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ "الجَامِعِ لِدُرَرِ العُلُومِ الفَائِضَةِ مِنْ بِحَارِ القُطْبِ المَكْتُومِ"، لِلْعَلَّامَةِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ بْنِ المَشْرِي السُّبَاعِي الحَسَنِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَجَابَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
مَعْنَاهُ أَنَّ العَبْدَ يَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ، وَالنَّوَافِلُ هُوَ مَا زَادَ عَلَى الفَرَائِضِ المَعْلُومَةِ، وَأَفْضَلُ النَّوَافِلِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، الذِّكْرُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِشُرُوطِهِ، فَهُوَ أَعْظَمُ النَّوَافِلِ وَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ: لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ. وَالمُرَادُ بِالنَّوَافِلِ هَا هُنَا، بِقِيَامِ رُوحِهَا فِي السُّلُوكِ، وَرُوحُ الأَعْمَالِ فِي السُّلُوكِ هُوَ عَمَلُهَا خَالِصَةً لِلَّهِ، لَا لِحَظٍّ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ؛ بَلْ يُرِيدُ الخُرُوجَ بِهَا إِلَى اللَّهِ مَحْضًا مِنْ جَمِيعِ حُظُوظِهِ وَشَهَوَاتِهِ وَمُتَابَعَةِ هَوَاهُ، فَالعَبْدُ فِي هَذِهِ المَرْتَبَةِ، بِمَنْزِلَةِ الشَّخْصِ المُلَطَّخِ بِالنَّجَاسَاتِ، وَتِلْكَ النَّجَاسَاتُ شَدِيدَةُ الإِلْتِصَاقِ فِي ذَاتِهِ، فَهُوَ يَسْعَى فِي زَوَالِ النَّجَاسَاتِ عَنْ ذَاتِهِ، لِيَخْرُجَ إِلَى اللَّهِ طَاهِرًا مُطَهَّرًا. فَلَا شَكَّ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الحَالَةِ، وَهُوَ التَلَطُّخُ بِالنَّجَاسَاتِ، لَا يَلْتَفِتُ لِعَمَلٍ لِلثَّوَابِ، بَلْ يَشْتَغِلُ بِتَطْهِيرِ نَفْسِهِ،
فَلَا شَكَّ أَنَّ الرُّوحَ وَلَعَتْ بِالبُعْدِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاتَّخَذَ وَلُوعُهَا وَطَنًا وَمَسْكَنًا، وَصَعُبَ عَلَى العَبْدِ التَخَلُّصُ مِنْ هَذِهِ الوَرْطَةِ، فَأَخَذَ فِي تَخْلِيصِ نَفْسِهِ مِمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ، فَإِنَّ مَرْتَبَةَ الرُّوحِ هَذِهِ تُسَمِّيهَا الصُّوفِيَةُ فِيهَا الغُرَابَ، لَا بَيَاضَ فِيهَا أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وَهُوَ فِي غَايَةِ البُعْدِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَوَافِلُ العَبْدِ فِي هَذِهِ الحَيْثِيَّةِ، هُوَ الرُّجُوعُ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ لِلَّهِ مَحْضًا لَا لِطَلَبِ الثَّوَابِ، فَهُوَ سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِتَطْهِيرِ رُوحِهِ، مِمَّا اسْتَوْطَنَتْهُ مِنَ الوَلُوعِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَأْخُذَهَا بِالمُجَاهَدَةِ وَالمُكَابَدَةِ، وَالقَمْعِ عَنْ هَوَاهَا، وَمُزَاوَلَةِ المَأْلُوفَاتِ وَالشَّهَوَاتِ،
وَالمُعِينُ لَهُ عَلَى هَذِهِ المُجَاهَدَةِ هُوَ الذِّكْرُ عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنَّهُ لَا تَخَلُّصَ لِلْعَبْدِ مِنْ وَرَطَاتِهِ إِلَى الصَّفَاءِ، الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ إِلَى الحَضْرَةِ الإِلَاهِيَةِ القُدْسِيَّةِ، إِلَّا بِفَيْضِ الأَنْوَارِ مِنْ حَضْرَةِ القُدْسِ. وَفَيْضُ الأَنْوَارِ أَكْبَرُ مَا يَأْتِي بِهَا الذِّكْرُ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَعَاهَدُ أَوْقَاتَ ذِكْرِهِ، ثُمَّ يَسْتَرِيحُ وَالأَنْوَارُ تُقْدَحُ فِي قَلْبِهِ وَقْتَ الذِّكْرِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا فِيهِ، لَكِنْ وُرُودُهَا عَلَيْهِ، يَعْمَلُ فِي رُوحِهِ شَيْئًا مِنَ الصَّفَاءِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا تُقْدَحُ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى، تَمْكُثُ فِي القَلْبِ قَدْرَ الدَّقِيقَتَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى، تَمْكُثُ فِي القَلْبِ قَدْرَ سَاعَةٍ،
ثُمَّ تَنْتَقِلُ فَلَا يَزَالُ حَالَةً بَعْدَ حَالَةٍ حَتَّى تَسْتَقِرَّ الأَنْوَارُ فِي قَلْبِهِ، فَتُكْسِبَهُ حَالَةً لَمْ يَعْهَدْهَا مِنْ نَفْسِهِ، مِنَ القُوَّةِ عَلَى الذِّكْرِ، وَالحَنِينِ إِلَى الوُقُوفِ بِبَابِ اللَّهِ، وَتَوَجُّعِ القَلْبِ مِنْ مُخَالَطَةِ الخَلْقِ، وَمَا يُشَاهِدُهُ مِنْ تَخْلِيطَاتِهِمْ، ثُمَّ لَا يَزَالُ العَبْدُ بِاسْتِمْرَارِهِ مَعَ الذِّكْرِ، إِلَى أَنْ تَخْرُجَ بِهِ الأَنْوَارُ، إِلَى اسْتِغْرَاقِ أَوْقَاتِهِ فِي الذِّكْرِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَيَجِدَ فِي رُوحِهِ اكْتِسَابًا لَمْ يَعْهَدْهُ مِنَ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّبْرِ لِلْبَلَايَا، وَعَدَمِ الإِنْزِعَاجِ مِنْهَا، وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي نَفَقَاتِهِ وَأُمُورِهَا، وَالبُعْدِ عَنِ التَّكَالُبِ عَلَى الدُّنْيَا وَاكْتِسَابِهَا،
ثُمَّ لَا يَزَالُ بِهِ الأَمْرُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَإِذَا اطْمَأَنَّ القَلْبُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، بِحَيْثُ يَصِيرُ الذِّكْرُ لَهُ وَطَنًا لَا يَقْدِرُ عَنِ التَّخَلُّفِ عَنْهُ وَلَوْ لَحْظَةً، ذَاقَ بَاكُورَةَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ، وَلَمَعَتْ لَهُ لَوَامِعُ مِنْ أَحْوَالِ الخَاصَّةِ العُلْيَا، وَيَشْهَدُ فِي نَفْسِهِ مِنَ القُرْبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَمْرًا عَظِيمًا، وَيَجِدُ فِي قَلْبِهِ مِنَ العُلُومِ الإِلَاهِيَةِ أَمْرًا جَسِيمًا، فَهُنَاكَ تَجَرَّدَ مِنْ كُلِّ مَخِيطٍ وَمُحِيطٍ، وَأَحْرَمَ بِالبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ وَصَلَّى عَلَى الأَكْوَانِ صَلَاةَ الجَنَازَةِ، وَدَخَلَ عَلَى اللَّهِ مِنْ بَابِ المُرَاقَبَةِ، يُفَتِّشُ فِي جَمِيعِ مَقَاصِدِهِ، فَلَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ قَصْدًا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى
Tiada ulasan:
Catat Ulasan